.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
حيث كنتُ أنا .. في الحقيقة ..
كنت الأمير .. ابن السلطانِ ..
في غرفتي .. أراقب الطرقات .. مِن شُرفتي ..
وأرصُدُ ترانيم البلابل .. وهي تُنْشِدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
كنتُ حزين .. والحزن مأهولٌ في فؤادي ..
وأشتكي للجدرانِ ..
بأنني أسمع ضحكات الملأ من هذه الشرفة ..
ولا أسمع هنا .. إلا صرخاتي الواهنة ..
فالقلب جامد .. والحائط راكد .. والباب مُوْصَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
حيثُ كنت غارق في عالم الألوانِ ..
غارق في سواد رُكني ..
فالسديم يملأ ذلكَ الكون ..
وقوس قزحٍ من حولي ..
وأنا لا أرى إلا سراب
وأغرق في عالمي الأَسْوَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
أشكو الذل .. وأشكو الامتهانِ ..
رغم جاهي .. ورغم ثرائي ..
ألا أنني أعيش في فَقرِ المشاعر ..
بين شوقي إلى الحبيبة ..
وبين سجال قُربي .. وبُعدها ..
فأنا أحترق شوقاً في مَحْفِلي ..
وهي في كُوخِها أَرْقَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
حيث المروج .. والحقول .. وخضرة البستانِ ..
أشتاق إليكي .. وأنتشي من خَمْرةِ الشوق ..
ويُقتُلني أنني لا أستطيع الوصول إليكي ..
فحكمُ البعد مستبد .. وقد استباحتني الخيبة ..
ولا يسعني سوى أن أهيمَ في أساطير الأولين ..
وأتمنى لو أن شَعري كان أطول ..
لأخرجته من حيثُ شُرفتي ..
وجعلته إليكَي يَمْتَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
أقبع في دوامةِ حُزني .. والشوقُ قد أضناني ..
وقد خارت قواي .. ولم أعد أقوى على الاحتمال ..
فمن سيجمع أشلائي في بُعدِك ؟ ..
ومن سيلملمُ حُطامي مِن بَعدِك ..
فأنا بتُ مخلوقاً بائد .. أنظر إلى الشُرفات ..
ولا أملك سوى حَسْرتي ..
حين أنظر الوَصْل يجمع بين حبيبين ..
في أسفل الشرفة .. يمسكان ببعضهما ..
خوفاً من البُعد ..
وأتعَب .. فأَتَنَهَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
تمنيتكَ أن تكوني بأسفل تِلكَ الشُرفة ..
مشتاقٌة .. وهالكة .. والعاشقُة النشوانية ..
فأطِلُ عليكي .. وابتسم ..
وتنكسر كل حواجز البُعد ..
وأعدو إليكي ..
وارتمي على صدرك ..
وأبكي بحرقة ..
فتمسحي بأصابعكَ الرقيقة دمعتي ..
ويهيج خدي مِن دغدغه إصبعِكَ الحنون ..
تمنيته لو كان حقيقة ..
هذا المَشْهَدْ !
..هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
مشاهدٌ .. تحّرك لها وِجداني ..
ومناظرٌ قارعة .. عبر هذا الأثير ..
شُرفةٌ عجيبة ! ..
تُطِلُ على قصورٍ راسية ..
وبيوتٌ عتيقة ..
شعبٌ ثري ..
وشعبٌ فقير ..
ذاكَ يشكو حزناً كبير ..
وذاكَ في الدنيا مُعَرْبِدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
وقعت عيني على كرسٍ .. وإنسانِ ..
يقرأ الجريدة ..
وفي تلكَ الجهة .. طفلةٌ وحيدة ..
ذات شعرٍ ملتوٍ .. وطبعٍ منطوٍ ..
فبدا عليها الفقر والجوع ..
وقرأتُ في عينيها الدموع ..
وماهي إلا لحظات ..
ورأيتها تمضي نحوَ ذلكَ الرجل ..
بِكُلِ حماس ..
وتبعد تلك الجريدة المتطفلة ..
وتأتي بِقربِ وجهه ..
لتطبع على خَدِه قبلة بريئة ! ..
لتستأذن مِنه بِكُلِ عفوية ..
أتسمح أن تكون أبي ؟ ..
فاحتضنها بُكلِ حب ..
ولَمْ تعِقه جريدته ..
ولَمْ يَعِقها شعرها الأَجْعَدْ
.. هُناك، عَلى شُرفاتِ قَصرِ الصولجانِ ..
مَنْ يُخلصني من إدماني ؟ ..
أدمنتُ حبكَ يا هاته ..
لا أعلم ما الحلْ ..
ولم أتصور يوماً بأنكي ..
لقلبي سوف تحتلْي ..
وستصبحي لي الترياق ..
ولكَي سوف أشتاق ..
وبأنِّي سوف أنهلْ ..
وقلبي .. سوف ينشَّلْ ..
أريد جواباً الآن ..
متى .. سوف توصلْي ؟ ..
أريد أن أسالْ ..
متى .. يأتي هذا اليوم ..
وتفتحُي بابي المُقفلْ ..
وتفاجئيني مِن خَلفي ..
وتقولُي بثغرٍ باسم ..
عدتُ .. والعودُ أَحْمَدْ !